responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 73
وَالتَّاجِرِ، / وَبِعِلْمِهِ كَالطَّبِيبِ وَالْفَقِيهِ، وَبِقُوَّةِ جِسْمِهِ كَالْعَتَّالِ وَالْحَمَّالِ، وَالْحَيَوَانُ لَا مَكَاسِبَ لَهُ، فَالرَّغِيفُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ، بَعِيدٌ أَنْ لَا يَرْزُقَهُ اللَّهُ مَعَ هَذِهِ الْمَكَاسِبِ، فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّوَكُّلِ. وَأَيْضًا اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْإِنْسَانَ بِحَيْثُ يَأْتِيهِ الرِّزْقُ وَأَسْبَابُهُ، فَإِنَّ اللَّهَ مَلَّكَ الْإِنْسَانَ عَمَائِرَ الدُّنْيَا وَجَعَلَهَا بِحَيْثُ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ شَاءَ أَمْ أَبَى، حَتَّى أَنَّ نِتَاجَ الْأَنْعَامِ وَثِمَارَ الْأَشْجَارِ تَدْخُلُ فِي الْمِلْكِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ مَالِكُ النَّعَمِ وَالشَّجَرِ، وَإِذَا مَاتَ قَرْنٌ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ إِلَى قَرْنٍ آخَرَ قَهْرًا شَاءُوا أَمْ أَبَوْا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَالُ الْحَيَوَانِ أَصْلًا، فَإِنَّ الْحَيَوَانَ إِنْ لَمْ يَأْتِ الرِّزْقَ لَا يَأْتِيهِ رِزْقُهُ، فَإِذَنِ الْإِنْسَانُ لَوْ تَوَكَّلَ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْعَقْلِ مِنْ تَوَكُّلِ الْحَيَوَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ سميع إذا طلبتم الرزق، يسمع ويجيب، عليهم إِنْ سَكَتُّمْ، لَا تَخْفَى عَلَيْهِ حَاجَتُكُمْ وَمِقْدَارُ حاجتكم. ثم قال تعالى:

[سورة العنكبوت (29) : آية 61]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61)
نَقُولُ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ الْأَمْرَ لِلْمُشْرِكِ مُخَاطِبًا مَعَهُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَخَاطَبَ الْمُؤْمِنَ بقوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا
[العنكبوت: 56] وَأَتَمَّ الْكَلَامَ مَعَهُ ذَكَرَ مَعَهُ مَا يَكُونُ إِرْشَادًا لِلْمُشْرِكِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ وَهَذَا طَرِيقٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّ السَّيِّدَ إِذَا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ، أَوِ الْوَالِدَ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدَانِ وَأَحَدُهُمَا رَشِيدٌ وَالْآخَرُ مُفْسِدٌ، يَنْصَحُ أَوَّلًا الْمُفْسِدَ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ يَقُولُ مُعْرِضًا عَنْهُ، مُلْتَفِتًا إِلَى الرَّشِيدِ، إِنَّ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْخِطَابَ فَاسْمَعْ أَنْتَ وَلَا تَكُنْ مِثْلَ هَذَا الْمُفْسِدِ، فَيَتَضَمَّنُ هَذَا الْكَلَامُ نَصِيحَةَ الْمُصْلِحِ وَزَجْرَ الْمُفْسِدِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَسْتَحِقُّ الْخِطَابَ يُوجِبُ نِكَايَةً فِي قَلْبِهِ، ثُمَّ إِذَا ذَكَرَ مَعَ الْمُصْلِحِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَالْمُفْسِدُ يَسْمَعُهُ، إِنَّ هذا أخاك العجب مِنْهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ قُبْحَ فِعْلِهِ وَيَعْرِفُ الْفَسَادَ مِنَ الصَّلَاحِ وَسَبِيلَ الرَّشَادِ وَالْفَلَاحِ وَيَشْتَغِلُ بِضِدِّهِ، يَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ أَيْضًا دَاعِيًا لَهُ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ مَانِعًا لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفَسَادِ، فَكَذَلِكَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ مَعَ الْمُؤْمِنِ الْعَجَبُ منهم أنهم إن سألتهم من خلق السموات وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُونَ، وَفِي الآية لطائف إحداها: ذكر في السموات وَالْأَرْضِ الْخَلْقَ، وَفِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ التَّسْخِيرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مُجَرَّدَ خَلْقِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَيْسَ حِكْمَةً، فَإِنَّ الشَّمْسَ لَوْ كَانَتْ مَخْلُوقَةً بِحَيْثُ تَكُونُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا تَتَحَرَّكُ مَا حَصَلَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا الصَّيْفُ وَلَا الشِّتَاءُ، فَإِذًا الْحِكْمَةُ فِي تَحْرِيكِهِمَا وَتَسْخِيرِهِمَا الثَّانِيَةُ: فِي لَفْظِ التَّسْخِيرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْرِيكَ يَدُلُّ عَلَى مُجَرَّدِ الْحَرَكَةِ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْحَرَكَةِ كَافِيًا، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَتَحَرَّكُ مِثْلَ حَرَكَتِنَا لَمَا كَانَتْ تَقْطَعُ الْفَلَكَ بِأُلُوفٍ مِنَ السِّنِينَ، فَالْحِكْمَةُ فِي تَسْخِيرِهِمَا تَحَرُّكُهُمَا فِي قَدْرِ مَا يَتَنَفَّسُ الْإِنْسَانُ/ آلَافًا مِنَ الْفَرَاسِخِ، ثُمَّ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمَا حَرَكَةً وَاحِدَةً بَلْ حَرَكَاتٍ، إِحْدَاهَا حَرَكَتُهَا مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَرَّةً، وَالْأُخْرَى حَرَكَتُهَا مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا أَنَّ الْهِلَالَ يُرَى فِي جَانِبِ الْغَرْبِ عَلَى بُعْدٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَبْعُدُ مِنْهُ إِلَى جَانِبِ الشَّرْقِ حَتَّى يُرَى الْقَمَرُ فِي نِصْفِ الشَّهْرِ فِي مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ، وَالشَّمْسُ عَلَى أُفُقِ الْمَغْرِبِ، وَالْقَمَرُ عَلَى أُفُقِ الْمَشْرِقِ، وَحَرَكَةٌ أُخْرَى حَرَكَةُ الْأَوْجِ وَحَرَكَةُ الْمَائِلِ وَالتَّدْوِيرِ فِي الْقَمَرِ، وَلَوْلَا الْحَرَكَةُ الَّتِي مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْمَشْرِقِ لَمَا حَصَلَتِ الْفُصُولُ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَ الْهَيْئَةِ قَالُوا الشَّمْسُ فِي الْفَلَكِ مَرْكُوزَةٌ وَالْفَلَكُ يُدِيرُهَا بِدَوَرَانِهِ وَأَنْكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ الظَّاهِرِيُّونَ، وَنَحْنُ نَقُولُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَقُولُوا بِالطَّبِيعَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَاعِلٌ مُخْتَارٌ إِنْ أَرَادَ أَنْ يُحَرِّكَهُمَا فِي الْفَلَكِ وَالْفَلَكُ سَاكِنٌ يَجُوزُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُحَرِّكَهُمَا بِحَرَكَةِ الْفَلَكِ وَهُمَا سَاكِنَانِ يَجُوزُ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ قَاطِعٌ أَوْ ظَاهِرٌ، وَسَنَذْكُرُ تَمَامَ الْبَحْثِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء: 33] الثالثة: ذكر أمرين أحدهما خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالْآخَرُ تَسْخِيرُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، لِأَنَّ الْإِيجَادَ قَدْ يَكُونُ لِلذَّوَاتِ وَقَدْ يَكُونُ لِلصِّفَاتِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 73
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست